Menu

السلطة الفلسطينية تنقلب على مخرجات مؤتمر "الأمناء العامين" في بيروت – رام الله... ما الغرابة في الأمر؟!

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

تابعت ردود الفصائل الفلسطينية المستنكرة والمدينة، بأشد العبارات عودة العلاقات ما بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني، والتي تمثلت بإعلان ضابط الارتباط الفلسطيني مع سلطات العدو "حسين الشيخ"- عضو اللجنة المركزية لحركة فتح - بشأن إعادة العلاقات والتنسيق الأمني والاتفاقات مع العدو الصهيوني، إلى سابق عهدها قبل 19 أيار (مايو) الماضي، ولا نبالغ إذ  نقول أن إعلان قيادة السلطة، لا يقل في خطورته عن اتفاقات التطبيع الأخيرة التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين و السودان مع العدو، ناهيك أنه يكشف أن موقف السلطة المندد باتفاقات التطبيع، لم يكن سوى محاولةً لامتصاص غضب الشعب الفلسطيني.

رهانات الفصائل الخاطئة

واللوم هنا لا يوجه للسلطة وقيادتها فقط، بل إلى الفصائل الفلسطينية التي صدَّقت توجه السلطة الفلسطينية المزعوم، لإنجاز وحدة وطنية حقيقية في مؤتمر بيروت – رام الله بتاريخ 3 أيلول (سبتمبر) الماضي، على قاعدة برنامج إجماع وطني، لمواجهة "صفقة القرن"، وفات الفصائل (أولاً) الإدراك أن قيادة السلطة كانت تُجري أكبر مناورة خداع للشعب الفلسطيني وللفصائل، وأنها كانت تشتري الوقت بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية. (وثانيا) فاتها الإدراك أن السلطة منسجمة مع نفسها في الرهان على نهج التفاوض البائس منذ 27 عاماً، وفي الاستمرار بالتمسك بالاتفاقات التي نبذها الاحتلال وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال. و( ثالثا) فاتها أن تقرأ طبيعة السلطة، ودورها الوظيفي المرسوم لها من قبل العدو الصهيوني والولايات المتحدة، في اتفاقات أوسلو وغيرها. و(رابعاً) فاتها الإدراك أن البنية الطبقية البرنامجية للمتنفذين في السلطة والمنظمة، لا يمكن التعويل عليها في الانسحاب من  الاتفاقات والتنسيق الأمني  رغم قرارات المجلسين الوطني والمركزي بهذا الشأن.

لقد تفاءلت الفصائل بمخرجات مؤتمر "بيروت- رام الله "، بشأن تشكيل لجنة موسعة لإنهاء الانقسام، وتشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية على قاعدة التمثيل النسبي، في حين راهنت حركة حماس على مخرجات لقائي اسطنبول والقاهرة بشأن إنهاء الانقسام والدعوة للحوار الشامل، في الوقت الذي  كانت  فيه قيادة السلطة ترتب في ليل مع كيان الاحتلال؛ العودة إلى مربع العشق التفاوضي، وكان على قيادات الفصائل الإدراك أن قيادة السلطة لن تغير برنامجها، ولن تغير جلدها، في ضوء نهجها الأوسلوي المتبع منذ عام 1993.

ونذكر هنا أن الفصائل في مؤتمر قمة بيروت- رام الله، ومن أجل شد السلطة للوحدة الوطنية المزعومة؛ قدمت تنازلين رئيسين: التنازل الأول في حصر المقاومة بشكلها الشعبي (المقاومة الشعبية)، دون الاتيان على ذكر الكفاح المسلح. والتنازل الثاني أن مخرجات المؤتمر، لم تنص على القطع مع نهج المفاوضات الذي ظل الرئيس عباس يطرحه، عبر آلية الرباعية الدولية وغيرها، ناهيك أن مخرجات المؤتمر لم تحسم موضوع رفع حصار السلطة المالي عن قطاع غزة.

فبركات السلطة المكشوفة

حسين الشيخ فبرك الإعلان على النحو التالي "على ضوء الاتصالات الدولية التي قام بها الرئيس بشأن التزام إسرائيل، بالاتفاقيات الموقعة معها، فإنه سوف يتم إعادة مسار العلاقة مع إسرائيل، كما كان عليه الحال سابقاً"، في حين نقلت حركة "فتح" تصريح الشيخ الذي أدلى به عبر "تويتر"، مؤكدة أن "عودة العلاقات جاءت بعد إعلان إسرائيل، استعدادها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقاً بين الطرفين، وتلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسائل رسمية ومكتوبة تؤكد هذا الالتزام".

لا نريد أن ندخل في نقاش تفصيلي "لإعلان حسين الشيخ"، لأن كل الوقائع على الأرض تكذب ما جاء فيه، فقط نذكر أن نتنياهو أعلن مراراً وتكراراً "بأن قرار ضم منطقة الغور وشمال البحر الميت"، جرى تأجيله ولم يتم إلغائه"، وأن الضفة الغربية تشهد ضماً استيطانياً زاحفاً، ولا يمر يوم إلا نقرأ ونسمع ونرى، مزيد من بناء الوحدات الاستيطانية في محيط القدس والضفة الغربية.

 ونذكر أيضاً أن نتنياهو قدم هدية للسلطة الفلسطينية، في الخامس عشر من شهر تشرين ثاني (نوفمبر) الجاري، تمثلت بقيام وزارة البناء والإسكان وسلطة الأراضي الصهيونية بتحويل مستوطنة "جفعات همتوس" الصغرى، إلى كتلة استيطانية كبيرة، عبر طرح مناقصة لبناء 1257 وحدة استيطانية في المستوطنة المذكورة، على أراضي بلدة بيت صفافا، جنوبي مدينة القدس الشرقية المحتلة، والذي من شأنه ربط مستوطنات غيلو، وهار حوما، بمستوطنة تل بيوت"، ما يحقق الفصل بين مدينتي القدس وبيت لحم، والفصل التام بين شمال الضفة وجنوبها، ما يحول جغرافيا دون قيام الدولة الفلسطينية المنتظرة.

المبرر الحقيقي لهذا الإعلان "غير الوطني" يكمن في أن قيادة السلطة تراهن على الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن"، في أنه سيعيد الأمور إلى مرحلة ما قبل "صفقة القرن"، وأنه سيعيد الاعتبار للعمل باتفاقيات أوسلو ومشتقاتها، وأنه سيضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، وفاتها أن تدرك أن رهانها البائس، لا محل له من الإعراب في برنامج بايدن والحزب الديمقراطي؛ فالرئيس "بايدن" أعلن بصريح العبارة أنه لن يراجع قرار سلفه ترامب، بشأن موضوع القدس واعتبارها عاصمة موحدة (لإسرائيل)، وبشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس.

أما مبرر إعلان السلطة، بأن الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" تلقى رسائل مكتوبة تؤكد التزام (إسرائيل بالاتفاقات الموقعة، فأمر يثير السخرية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن العدو الصهيوني ألقى بسلة المهملات كل الاتفاقات الموقعة مع قيادة السلطة والمنظمة، منذ عام 1993 ابتداءً؛ باتفاق أوسلو 1 وأوسلو 2، واتفاق واي ريفر، وخارطة الطريق، وأنابوليس... الخ.

وأخيراً بقي أن نشير إلى مسألتين هما:

1. أن قيادة السلطة الفلسطينية، تستفيد من إدامة الانقسام وغياب الوحدة الوطنية، لأن إنهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الوطنية، وترتيب البيت الوطني الفلسطيني، يشكل قيداً لنهج السلطة في علاقاتها مع العدو الصهيوني، بما تتضمنه من مراهنة على المفاوضات والاستمرار في التنسيق الأمني.

2. أن مناشدات بعض الفصائل لقيادة السلطة الفلسطينية، أن تعود عن قرارها، تندرج في إطار شعورها بالعجز عن طرح البديل الوطني المقاوم، في حين أن المطلوب من الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية، أن تغادر هذا الوهم – السراب، وأن تبادر إلى إنجاز جبهة وطنية عريضة، ببرنامج يقوم على تفعيل المقاومة بكل أشكالها والتصدي للتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني.